[ad_1]

في قلب مدينة طنجة، وعلى امتداد شارع أنوال وسور المعكازين، تخفي المدينة واحدة من أكثر زواياها غموضًا، حيث تلتقي الذاكرة المحلية بوثائق استخباراتية إسبانية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. إنها قصة “روضة لالة فريجة”، تلك المقبرة الصغيرة التي وُثّقت على خريطة عسكرية سرية سنة 1906، وما تزال معالمها مدفونة تحت طبقات من النسيان.
بدأت الحكاية سنة 1885، حين تسلّل الجغرافيان العسكريان الإسبانيان Alvares Ardanuy وGalbis Avella إلى طنجة في مهمة استخباراتية تهدف إلى رسم خريطة دقيقة للمدينة. ورغم أهمية هذه المهمة، فإنها لم تكتمل بسبب صعوبات ميدانية، قبل أن تُستأنف بعد عقدين تقريبًا، سنة 1906، على يد Ardanuy نفسه، بمعية Leon Apalategui وAza Alvarez، الذين تمكنوا من رسم واحدة من أكثر الخرائط دقة لطنجة ما قبل الاستعمار.

ومن بين الإشارات الدقيقة التي احتوتها الخريطة، وجود روضة لالة فريجة، والتي حُدّد موقعها بالضبط في المكان الذي كانت توجد فيه المراحيض القديمة لسور المعكازين، على يمين السور بثلاثة أمتار فقط. هذه “الروضة” – وفق ما فسره باحثون محليون – ليست مقبرة كبرى، بل هي مقبرة صغيرة منعزلة، كانت توجد غالبًا في أرض عشبية أو على هامش المدينة المسوّرة.
التحليل الطوبوغرافي للخريطة يُظهر وجود جدولين مائيين قديمين: أحدهما ينحدر من المنطقة التي تُعرف اليوم بـ زنقة أنوال، والآخر يعبر وسط سور المعكازين، حيث يلتقيان على شكل دلتا مائية صغيرة قرب القبر المرسوم عليه اسم لالة فريجة. وهو ما يرجّح أن المنطقة المحيطة كانت تحتضن قبورًا أخرى مهملة أو مستوية بالأرض، اختفت بفعل الزمن.

ويُعتقد أن احترام الأهالي لحرمة المكان وارتباطهم العاطفي بذكرى القبور، حال دون أن يستولي الأجانب على هذه البقعة في بداية القرن العشرين، إلى أن جاءت سنة 1940، ودخلت القوات الإسبانية طنجة خلال فترة الانفلات التي رافقت الحرب العالمية الثانية. فبدأت آنذاك عملية الاستحواذ على الأراضي المهجورة قرب الأسوار، لتُحوّل تدريجيًا إلى حدائق أو بنايات إدارية، ومن بينها فضاء سور المعكازين.
فلربما ما زالت بقايا تلك الأجساد الطاهرة ترقد بصمت، تراقب تحوّلات المدينة من تحت الأرض، وتهمس في كل عابر طريق: هنا كانت المقبرة…
لكن طنجة، التي لطالما سكنت عند تخوم الأسطورة والتاريخ، لا تزال تُعيد تشكيل ذاكرتها، وتنسج مستقبلها بخيوط جديدة. فمنطقة سور المعكازين، التي كانت شاهدة على النسيان، تشهد اليوم دينامية إصلاح وتجديد عمراني وثقافي، تحاول أن تُعيد الاعتبار لما أهملته الأزمنة، وتُعيد ربط الحاضر بجذوره المنسية.
وإذا كانت الأرض تحتفظ بأسرارها، فإن أعين الأحياء اليوم تتجه إلى الأفق، بحثًا عن مدينة تحفظ تاريخها بقدر ما تُجدد معالمها.
[ad_2]
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة : المصدر

