[ad_1]
أثار نائب عمدة مدينة طنجة عن حزب الأحرار، محمد غيلان، موجة جدل واسعة بعد وصفه للخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير بـ”الاستفزاز” للأحزاب السياسية. وهي عبارة وُصفت بأنها غير مألوفة، بل ومسيئة في السياق المغربي، خاصة حين تصدر عن منتخب يشغل منصبًا داخل مؤسسة منتخبة تخضع لسلطة الملك الدستورية.
ولو طارت معزة
رغم التفاعل الكبير والسياسي مع تصريحاته، لم يتراجع غيلان، بل زاد من حدة الأزمة بردّه المرتجل الذي صرّح به من قاعة الاجتماعات من مكتب العمدة الرسمي للجماعة الرسمي، ما أضفى طابعًا مؤسساتيًا على كلامه. وبدل الاعتذار الصريح أو تصحيح العبارة، اختار تبرير استعماله لكلمة “استفزاز” بمقاربة شخصية، خالية من السند اللغوي أو المؤسسي.
قال غيلان إنه قصد بـ”الاستفزاز” معناه الإيجابي، كما يفعل “الأب الذي يستفز أبناءه لتحفيزهم”، لكنه وقع في مغالطة مركبة، حيث:
لغويًا: المعاجم العربية تُجمع على أن “الاستفزاز” يحمل دلالات سلبية، منها التحريض والإغاظة والتأليب.
سياسيًا: لا يُستخدم هذا المصطلح في وصف الخطابات الرسمية، خاصة تلك الصادرة عن رئيس الدولة وأمير المؤمنين.
تربويًا: الأب لا يستفز أبناءه بل يوجههم ويؤطرهم، ومن يمارس الاستفزاز يخرج بنتائج عكسية.
أخطر ما ورد في ردّ محمد غيلان هو استخدامه لضمير الجمع: “نحن قلنا وكتبنا”، وكأنه يتحدث باسم مؤسسة أو تيار واسع أو حتى حزب سياسي آخر، مما يطرح تساؤلات: من فوضه؟ هل يتحدث باسم حزب الأحرار أم جهة أخرى؟ بينما الواقع أنه عبّر عن رأي شخصي، وجب عليه توضيح حدوده، دون توريط أي طرف.
وفي المقابل، حين تحدث عن المؤسسة الملكية، استعمل صيغة مفردة جامدة: “الملك يستفز”، في غياب الحد الأدنى من التوقير المطلوب في مخاطبة المقامات السامية.
النيّة لا تعفي من المسؤولية
أكد غيلان أنه “كان حسن النية”، لكن في العمل السياسي، لا يُقاس الخطأ بالنوايا، بل بالسياق، والتوقيت، والصياغة، والرمزية. ويكفي أن نستحضر المثال التالي:
في يوليوز 2025، أُعفي والي جهتي مراكش وفاس، من مهامهم بعد ظهورهم في نحر أضحية، رغم أن ذلك لم يتضمن إساءة لفظية، لكنه كان مخالفًا لتوجه الدولة في ظرف حساس. لم يُناقش أحد نيّته، بل حوسب على التصرف وتقدير الموقف.
الأستاذ الجامعي رشيد لبكر علّق على الواقعة قائلًا: “المعيار ليس النية بل مدى ملاءمة التصرف مع اللحظة السياسية والموقع المؤسسي”.
ارتباك تواصلي وسوء تقدير
كان بإمكان محمد غيلان احتواء الأزمة ببلاغ مكتوب دقيق، يعبر فيه عن احترامه للمؤسسة الملكية، وسحب العبارة، ويوضح اللبس في تعبيره، لكنه اختار الظهور المباشر بلغة مرتجلة، تخللها الانفعال والتكرار، مما عمّق الأزمة بدل معالجتها، وطرح تساؤلات حول نضجه السياسي وأهليته التمثيلية.
ردّه أيضًا تضمّن تصنيفًا لمعارضيه إلى ثلاث فئات: المتفهم، المتحامل، والحاقد، وهي تقنية تبريرية تقليدية تهرب من الاعتراف بالخطأ، وتحوّل الانتقاد إلى مؤامرة شخصية.
ازدواجية في المظهر والموقف
من المثير أيضًا أن محمد غيلان، الذي مثّل مدينة طنجة في منتدى حوار المدن العربية-الأوروبية المنعقد في العاصمة السعودية الرياض، ظهر هناك بلباس رسمي أنيق، بينما حضر مراسيم تحية العلم الوطني بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك على العرش بولاية طنجة بلباس عادي، يوحي بالاستهتار برمزية المناسبة. فهل يُفسر هذا الاختلاف بالسياق؟ أم هي ازدواجية في تقدير اللحظات الرسمية؟ أليس هو نفسه غيلان الذي يفهم في السياقات ؟
من المثير في خطاب محمد غيلان حديثه المتكرر عن “انتقاء الفاعل السياسي الأجدر” و”نظافة اليد” و”حسن التدبير”، بينما ما زالت ذاكرة مدينة طنجة، وخصوصًا مقاطعة بني مكادة، تحتفظ بتجارب مؤلمة مرتبطة بظاهرة البناء العشوائي والتجزيئات السرية التي نبتت كالفطر في أحياء مثل المرس، حرارين، بني سعيد، بني توزين، وأكزناية.
وقد ارتبطت تلك المرحلة بأدوار محورية قام بها بعض المنتخبين المحليين، ممن لم يعرف عنهم التزام حزبي ثابت، بل اشتهروا بشعارات براقة عند الاقتراع، وتقديرات مثيرة للجدل في تدبير التعمير، وتغليف أنفسهم بالشباب لكسب الأصوات
وفي الوقت الذي يُطالب فيه الملك بتجديد النخب على أساس الكفاءة والنزاهة، لا على أساس التجميل الشبابي أو التدوير الحزبي، يظهر أن بعض “الوجوه القديمة” تسعى إلى إعادة تسويق نفسها كحَمَلة لقيم الإصلاح، رغم أن إرثها في المجال الترابي لا يزال موضوع مساءلة مجتمعية، وشبهات صامتة، وأحيانًا أطلال إسمنتية لم تندمل بعد.
وفي معرض دفاعه عن نفسه، قال غيلان: “استحضرنا وتقديرنا…”، مما يدعو للتساؤل المشروع: من أنتم؟ ومن فوضكم الحديث باسم الأحزاب أو النخب السياسية أو حتى المجتمع؟
ردّ محمد غيلان لم يُصلح الخطأ بل كرّسه، وأظهر خلطًا بين الرأي الشخصي والموقع المؤسساتي، وافتقر إلى الحس التواصلي والسياسي، في ظرف حساس كانت البلاد تنتظر فيه الانضباط السياسي والارتقاء بالخطاب.
[ad_2]
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة : المصدر


