[ad_1]
نجلاء مرون: باحثة في القانون العام
منذ تولي حكومة عزيز أخنوش مهامها سنة 2021، تمكن الاقتصاد المغربي من الحفاظ على استقرار نسبي رغم التحديات العالمية، فوفقا لتقرير بنك المغرب للسياسة النقدية الصادر في يونيو 2025، سجل الناتج الداخلي الخام نموًا بنسبة 3.8% خلال سنة 2024، مدفوعا بدينامية قوية للقطاعات غير الفلاحية التي نمت بنسبة 4.5%. ويعزى ذلك إلى الطلب الداخلي وتوسيع الاستثمارات الاستراتيجية في قطاعات السيارات، الفوسفاط، والطاقة النظيفة، وقد ظل عجز الميزانية مستقرًا عند 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مدعومًا باحتياطيات من العملة الصعبة بلغت حوالي 402 مليار درهم، تغطي واردات السلع والخدمات لفترة تتراوح بين خمسة وستة أشهر.
وعلى الرغم من التحسن النسبي للصادرات، ارتفع العجز التجاري خلال الربع الأول من سنة 2025 ليبلغ 71.6 مليار درهم، بزيادة بلغت 16.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد والمالية. كما شهدت عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة تطورًا ملحوظًا، حيث وصلت إلى 43.2 مليار درهم سنة 2024 مقارنة بـ 26.3 مليار درهم سنة 2020، مع تسجيل نحو 21.9 مليار درهم حتى نهاية ماي 2025، بزيادة نسبتها 27%.
وفيما يتعلق باستقرار الأسعار، نجحت الحكومة في خفض معدل التضخم إلى أقل من 1% بنهاية سنة 2024، بعد أن بلغ 6.6% سنة 2022 و6.1% سنة 2023، وهو ما يعكس فعالية السياسات النقدية والمالية. كذلك، على مستوى التشغيل، انخفض معدل البطالة بمقدار 0.4 نقطة خلال الفصل الأول من سنة 2025، مع إحداث نحو 351 ألف منصب شغل جديد في القطاعات غير الفلاحية.
وكشفت الأرقام التي قدمها رئيس الحكومة أمام مجلس المستشارين يوم 27 ماي 2025 عن جهود الحكومة لتعزيز الإنصاف الاجتماعي. فقد تم إدماج نحو أربعة ملايين أسرة في نظام التغطية الصحية الإجبارية “أمو-تضامن”، ليصل عدد المستفيدين وذوي الحقوق إلى حوالي 11 مليون شخص، مع تكفل الدولة بأداء اشتراكات سنوية تناهز 9.5 مليار درهم، كما تمت معالجة أكثر من 14 مليون ملف طبي لدى وكالات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بتصفية حوالي 12 مليون ملف بغلاف مالي يفوق 17 مليار درهم. واستفاد نحو 3.5 مليون عامل غير أجير من التغطية الصحية، مع معالجة أكثر من أربعة ملايين ملف بقيمة إجمالية قاربت 4 مليارات درهم، أما على مستوى الدعم الاجتماعي المباشر، فقد خُصص غلاف مالي قدره 25 مليار درهم سنة 2024 ارتفع إلى 26.5 مليار درهم سنة 2025، مع استهداف بلوغ 29 مليار درهم في أفق 2026، ليستفيد منه حوالي أربعة ملايين أسرة تضم 12 مليون فرد.
وفي الشق الاستثماري، أطلقت الحكومة دينامية جديدة للنهوض بالاستثمار، حيث صادقت اللجنة الوطنية للاستثمار في ثماني دورات فقط على 237 مشروعا بقيمة إجمالية تفوق 369 مليار درهم، من المتوقع أن توفر أزيد من 166 ألف منصب شغل قار، ضمن تفعيل ميثاق الاستثمار الجديد وتحسين مناخ الأعمال. وفي إطار استراتيجيته الطموحة للتحول الطاقي، يعتزم المغرب إنتاج ثلاثة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2030، مع تخصيص حوالي مليون هكتار لإقامة مشاريع ضخمة في الجهات الجنوبية باستثمارات تناهز 319 مليار درهم. وقد بلغت حصة الطاقات المتجددة حاليًا حوالي 44% من القدرة المنشأة، مع التطلع لرفعها إلى 52% بحلول 2030، في سياق تحقيق الحياد الكربوني سنة 2050. وتستهدف هذه المشاريع خلق آلاف فرص العمل، وتعزيز صادرات المغرب من الطاقة النظيفة إلى الأسواق الأوروبية والعالمية.
رغم ذلك، يواجه المغرب تحديات مثل تأمين التمويلات الضخمة، تطوير البنية التحتية اللازمة، وتقنيات إنتاج تنافسية، بالإضافة إلى ضبابية الطلب العالمي على الهيدروجين. وفي إطار تعزيز ريادته الصناعية، واصل المغرب تطوير قطاع صناعة السيارات بطاقة إنتاجية تتجاوز 700 ألف وحدة سنوياً، مع تركيز متزايد على السيارات الكهربائية والهجينة، إلى جانب توطين أجزاء من سلسلة القيمة عبر مصانع تجميع البطاريات واستقطاب استثمارات نوعية في مكونات صناعة الطائرات والطائرات بدون طيار، بما يسهم في نقل التكنولوجيا وبناء كفاءات وطنية متخصصة.
أما على صعيد البنية التحتية، توسعت شبكة الطرق السريعة والسيارة لتتجاوز 2400 كيلومتر، مع تقدم ملحوظ في إنجاز الخط الثاني للقطار الفائق السرعة بطول يفوق 430 كيلومتر، وبموازنة تقارب عشرة مليارات دولار، إضافة إلى مشاريع توسعة ميناء طنجة المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، بهدف دعم التنمية في الأقاليم الجنوبية وتعزيز الربط بالأسواق الدولية. وفيما يتعلق بمسار التحول الرقمي، تندرج استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” ضمن الجهود الوطنية لتعزيز السيادة الرقمية وترسيخ التحول الرقمي كرافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتروم هذه الاستراتيجية إلى رقمنة الخدمات العمومية وتبسيط المساطر الإدارية، بما يسهم في تحسين ترتيب المغرب في مؤشرات جودة الخدمات العمومية والانتقال من المرتبة المئة إلى الخمسين عالميًا في أفق 2030، مع رفع نسبة رضا المستخدمين إلى أكثر من 80%.
كما تهدف إلى دعم تنافسية الاقتصاد الرقمي من خلال مضاعفة عائدات التصدير الرقمي من 18 مليار درهم إلى 40 مليار درهم، وتنمية نسيج الشركات الناشئة من 380 شركة سنة 2022 إلى 3000 شركة بحلول 2030، مع التركيز على إنتاج حلول رقمية وطنية مستقلة وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ويعزز هذا التوجه تكوين وتأهيل ما يقارب 100 ألف موهبة رقمية سنويًا، واستقطاب الكفاءات الأجنبية، في إطار رؤية متكاملة لحماية المعطيات الوطنية وبناء قدرات سيادية في مجال الرقمنة والابتكار التكنولوجي. وفي المجال السياحي، استقبلت المملكة خلال سنة 2024 أكثر من 17.7 مليون سائح، محققة مداخيل تفوق 115 مليار درهم. إن هذه المؤشرات وغيرها تعكس بوضوح رؤية الحكومة لترسيخ العدالة الاجتماعية، وتعزيز الاستدامة الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية بشكل متوازن، بما يضع المغرب في موقع تنافسي قادر على مواجهة التحولات العالمية.
بالرغم من كل هذه المؤشرات الإيجابية، يظل السؤال الجوهري مطروحا: لماذا لا يشعر المواطن بهذه الإنجازات؟ تُعزى هذه الفجوة إلى عوامل مركبة أبرزها التفاوت الجهوي في توزيع الاستثمارات، وضعف قنوات التواصل الحكومي وغياب الشفافية الكافية في عرض البيانات، إضافة إلى بطء تنفيذ إصلاحات بنيوية مثل نظام التقاعد وربط التعليم بسوق العمل.
كذلك، فإن طبيعة هذه الإنجازات، خاصة المشاريع الهيكلية الكبرى والإصلاحات الاستراتيجية، تتطلب زمن نضج مؤسساتي وتقني وإداري كي تتحول إلى نتائج ملموسة على مستوى الدخل الفردي وجودة الخدمات، وفق دراسات مثل تلك التي قام بها البنك الدولي بعنوان “البنية التحتية والتنمية الاقتصادية: تقييم تجارب الدول النامية”. هذا الفارق الزمني بين التخطيط والإنجاز من جهة، وتوقعات المواطنين من جهة أخرى، قد يولد فجوة إدراكية تُستثمر أحيانًا في خطاب التبخيس.
من هنا، فإن التحدي الحقيقي أمام حكومة عزيز أخنوش لا يكمن فقط في تنفيذ هذه المشاريع وفق الجدول الزمني المعلن، بل أيضًا في حسن إدارة الزمن السياسي للتواصل حولها، وتقديم مؤشرات مرحلية تطمئن المواطن بأن التغيير قادم بشكل تدريجي وملموس، بما يقلص من فجوة الثقة ويحصّن المكتسبات ضد التبخيس الشعبوي. فتصاعد خطاب التبخيس يستثمر هذه الثغرات ويحولها إلى سردية اختزالية تفرغ أي إنجاز من معناه وتختزل السياسات العمومية في صورة إخفاق شامل. وهو لا يندرج – خطاب التبخيس – ضمن النقد البناء الذي تحتاجه الديمقراطية والمؤسسات، بل يمثل بحسب ماكس فيبر في تحليله لمفهوم الحياد الأكسيولوجي انزياحًا عن التحليل العلمي لصالح الدعاية والشحن الانفعالي، وهو ما أكد عليه كذلك بيير بورديو في كتابه “الهيمنة الرمزية” ونوربرت إلياس في “عملية التمدن”. فهذا الخطاب يخلق سلطة رمزية خفية تهيمن على المخيال الجمعي، فتعطّل قدرة الرأي العام على تشكيل مواقف نقدية متوازنة، ويفتح المجال للشائعات والتهييج بدل المعطيات الموثوقة.
تكمن خطورة خطاب التبخيس كذلك في كونه لا يكتفي برصد جوانب القصور – وهو أمر مشروع – بل يحولها إلى قاعدة تعميمية تغلق النقاش أمام أي قراءة موضوعية للنتائج، فتقوض الثقة بالمؤسسات وتضعف التعاقد بين الدولة والمجتمع، مما يفتح الباب أمام الشعبوية والابتذال السياسي. في تقديرنا، تشكل السنة الأخيرة من عمر الولاية الحكومية الحالية فرصة استراتيجية لإعادة بناء التوازن بين إنجازات الدولة وانتظارات المجتمع، عبر تسريع الإصلاحات الجوهرية، وضمان عدالة التوزيع المجالي للثمار التنموية، وتبني تواصل حكومي شفاف يقر بالإنجازات كما يقر بالتحديات. فتحويل النقد إلى أداة لتحسين الأداء – لا لتبخيسه – هو المدخل الحقيقي لإعادة الثقة وتثبيت وظيفة السياسات العمومية في خدمة الإنسان والمجتمع على قاعدة العدالة، النجاعة، والاستدامة.
[ad_2]
المغربي almaghribi – أخبار المغرب : المصدر

