[ad_1]
تشهد طنجة في السنوات الأخيرة توسعًا عمرانياً متسارعًا، يتجلى بوضوح في ارتفاع أبراج شاهقة تغيّر ملامح أفق المدينة. في ظل فوضى مرورية خانقة واختناق عمراني متزايد، تتسارع وتيرة مشاريع عقارية فاخرة تعد بـ”الراحة”، و”الفخامة”، و”الإطلالات البانورامية”. لكن، هل تعكس هذه المشاريع استجابة حقيقية لاحتياجات السكان، أم أنها قفزات في الفراغ تُغذي التفاوت الاجتماعي وتفاقم أزمات البنية التحتية؟
الواقع يؤكد أن المدينة تواجه تحديات كبيرة: الكثافة السكانية المرتفعة، نقص مواقف السيارات، وأعباء متزايدة على شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي. وفي ظل غياب وثائق تهيئة عمرانية محدثة، يبدو أن هذه الأبراج تُبنى وفق منطق الاستثمار السريع بعيداً عن رؤية حضرية شاملة.
ويؤكد ناشط بيئي مغربي أن “المباني الذكية لا تعني بالضرورة مدنًا ذكية. يمكن أن تعزل الصوت والحرارة، لكنها لا تعالج الضجيج الاجتماعي الناتج عن التفاوت.” هذه العبارة تلخّص واقع مشاريع الاستدامة التي غالباً ما تتحول إلى شعارات تسويقية لا تُترجم إلى تطبيقات فعلية على الأرض.
على الصعيد الاجتماعي، يُظهر تقرير البنك الدولي (2021) حول التحضر في شمال إفريقيا أن “مشاريع السكن الفاخر في مدن مثل طنجة تُبرز فجوة متنامية بين العرض والطلب، إذ لا تلبي سوى احتياجات شريحة محدودة، ما يُفاقم أزمة السكن ويُهدد بانزياح مجالي للطبقة المتوسطة نحو الأطراف.”
وفي قلب هذا التوسع العمراني، يبرز مشروع CAP TOWEERS كرمز لهذا التوجه الجديد في بناء الأبراج الشاهقة بطنجة و يتضمن المشروع سبعة أبراج يصل ارتفاع بعضها إلى 24 طابقًا، ويُروّج له كوجهة سكنية وتجارية راقية تعتمد على هندسة “يابانية-مغربية” ومعايير “استدامة” متقدمة. ومع ذلك، يثير المشروع جدلاً واسعاً حول مدى ملاءمته للواقع العمراني والاجتماعي للمدينة، خصوصاً في ظل نقص المواقف، وضغط البنية التحتية، وتركيزه على شريحة محدودة من السكان. ما يجعل المشروع بعيداً عن تحقيق حل شامل لأزمة السكن أو التخفيف من حدة التفاوت المجتمعي. فمن سيطل من نافذة أحد هذه الأبراج الشاهقة، سيرى مدينة تعاني من التهميش والاختناق، حيث تتناقض الفخامة الزجاجية مع واقع التفاوت الاجتماعي والاحتياجات الحقيقية للسكان.
ولا يقتصر الأمر على الأبعاد التقنية والاجتماعية فقط، بل يمتد إلى البعد الهوياتي والبيئي. فقد أكد المعماري الفرنسي رودي ريتشيوتي: “العمارة التي لا تنصت لما حولها، ليست سوى شكل من العنف الصامت.” ففي ظل تغول الأبراج على الأحياء التاريخية، تختفي تدريجياً العلاقة بين المدينة وذاكرتها، ويُصبح البرج إعلانًا صريحًا عن سيطرة منطق رأسمالي يحيد عن احترام السياق العمراني.
وأخيراً، تطرح العالمة الاجتماعية الفرنسية ساسكيا ساسن تساؤلاً أخلاقياً عميقاً: “المدن الحقيقية لا تُبنى فقط بالخرسانة والزجاج، بل بالعلاقات، والذاكرة، والعدالة المكانية.” في ضوء هذا، يبرز السؤال الجوهري: هل نبني مدنًا قابلة للحياة أم فقط مدنًا قابلة للبيع؟
[ad_2]
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة : المصدر

