[ad_1]
في صيفٍ يضج بالحياة الثقافية والاحتفالات الشعبية، تتوجه الأنظار هذا العام نحو جماعة اكزناية بضواحي طنجة، حيث تستعد المدينة لاحتضان أول مهرجان للتبوريدة على كورنيش سيدي قاسم، وذلك خلال الفترة الممتدة من 29 يونيو إلى 6 يوليوز المقبل. حدث ثقافي وفني يُعد أكثر من مجرد احتفال، بل يمثل عودة مهيبة لذاكرة مدينة كانت ذات يوم إحدى حواضر الفروسية والبارود في المغرب.
التبوريدة.. إرث لا يغيب
في قلب هذا المهرجان، ينبض تراث التبوريدة المغربي، ذلك الفن الفروسي العريق الذي يتجاوز حدود الاستعراض ليتحول إلى طقس اجتماعي مشبع بالرمزية والانتماء. طنجة، بتاريخها الممتد، لم تكن بعيدة عن هذه الروح، بل شكلت على مدار قرون ساحةً لتلاقح فنون الفروسية ومظاهر القوة الجماعية، حيث عُرفت بمواسمها الفروسية في فضاءات مثل “سوق دبرا”، الاسم القديم لساحة 9 أبريل.
في تلك الساحة الشهيرة، الواقعة خارج أسوار المدينة القديمة مقابل “سوق الداخل”، كانت تُنظم عروض التبوريدة الكبرى، وتتحول إلى منصة جماعية تُلهبها طلقة البارود الجماعية.
ذاكرة المكان.. ساحة 9 أبريل ومسار المجد
تحمل ساحة 9 أبريل رمزية وطنية عميقة، حيث اختارها المغفور له الملك محمد الخامس في 9 أبريل 1947 لإلقاء خطابه التاريخي، مما أضفى عليها بعدًا تاريخيا إلى جانب بعدها الثقافي.
وحسب وثائق تاريخية وصور أرشيفية، فقد كانت هذه الساحة في مطلع القرن العشرين فضاءً دائمًا لعروض التبوريدة وخاصة يومي الخميس والأحد، بينما كان العرض الكبير ينظم خلال عيد الأضحى حيث تتقاطع مهارة البواردية مع قوة الحصان وإيقاع الطلقة الجماعية، في مشهد تتكامل فيه مكونات العرض الشعبي والروح الجماعية.
تفاصيل أصيلة.. اللباس والحصان والبارود
تتفرد التبوريدة المغربية، خاصة في شمال المملكة، بعناية دقيقة بالتفاصيل. فالفرسان يرتدون الجلباب الجبلي التقليدي، العمامة، السروال الفضفاض، و”البلغة” الجلدية، في مظهر متناغم يعكس وحدة الطقس وجمالية المشهد. أما الخيول، فهي غالبًا من سلالة عربية-بربرية، معروفة بخفتها وقوتها وتفاعلها الكبير مع الإيقاع الجماعي.
وتُزيَّن الخيول بـ”اللبدة” المصنوعة من الصوف، و”القربوس”، و”الطراشح”، في لوحة لونية تقليدية غنية بالدلالة والرمزية التراثية.
البواردية.. فنون الجبال وصوت الأجداد
إلى جانب التبوريدة، تحضر “البواردية” كأحد أبرز تمظهرات التراث الجبلي في شمال المغرب. فرقة موسيقية تقليدية ترافقها طلقات من “المكاحل” (البنادق التقليدية)، في عروض تتقاطع فيها الموسيقى والرقص والبارود، لتروي قصة أجيال متعاقبة من سكان جبال الشمال.
البواردية ليست مجرد فرجة، بل فعل جماعي يتجدد في الأعراس والمواسم، يجمع بين كبار السن والشباب، ويُعيد بعفوية حميمية وصل الأجيال بتاريخها.
التبوريدة والبواردية في تناغم التراث والبارود
رغم اختلاف السياق الجغرافي والتقني بين التبوريدة والبواردية، فإن كليهما ينبعان من جذر ثقافي واحد، ويشكلان معًا وجهين لتراث فروسية البارود في المغرب، خاصة في شماله الجبلي. فبينما تُجسد التبوريدة فن الفروسية المنظمة، حيث الفرسان على صهوات خيولهم يتقنون تنسيق الطلقات الجماعية في عروض جماعية مهيبة، تأتي البواردية لتكمل هذا المشهد بروحها الجبلية الحرة، حيث يُحتفى بالبارود سيرًا على الأقدام، مع الأهازيج والرقصات التقليدية، في طقس احتفالي يربط الإنسان بأرضه وهويته. يجتمع الفنّان في الاثنين على قدسية البارود كرمز للقوة والكرامة والترحاب، وعلى إيقاع جماعي يُعيد سرد تاريخ الشمال بلغة لا تعرف النسيان.
اكزناية.. من الماضي إلى المستقبل
حين قررت جماعة اكزناية تنظيم هذا المهرجان، لم تكن تبادر إلى حدث جديد بقدر ما كانت تُعيد وصل خيوط التاريخ، وتفتح نوافذ الحاضر على تراث حي. كورنيش سيدي قاسم سيُصبح هذا الصيف مسرحًا لطلقات البارود، وستلتقي فيه “السربات” القادمة من مختلف مناطق الشمال، في عروض تستلهم مجد “سوق دبرا”، وتزرع بذور الانبهار في عيون جيل جديد، قد يسمع لأول مرة صدى البارود يرتد عن جبال الشمال.
نحو تقليد سنوي يحتفي بالهوية
هذا المهرجان لا يُعد فقط استعادة لذاكرة طنجة الفروسية، بل استثمارًا في الرأسمال الرمزي للمدينة، وتثبيتًا لهويتها الثقافية ضمن خريطة الفنون المغربية الأصيلة. وإذا كانت ساحة 9 أبريل، وسوق الداخل، وسوق البركازين، قد صنعت أمجاد الماضي، فإن اكزناية اليوم تكتب فصلًا جديدًا في كتاب التبوريدة.
إنها دعوة لتجذير الاحتفال وجعل مهرجان التبوريدة موعدًا سنويًا يحتفي بشمال المغرب، ويُخلد قصة مدينة تعشق البارود، وتفاخر بخيلها وفرسانها، وتُجدّد صلتها بتاريخها بكل طَلقَةٍ تعانق سماء المجد.
صور ورسومات تؤرخ التبوريدة في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20

[ad_2]
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة : المصدر

